الكورونا ومستقبلنا، كلمات من العقل والقلب

يمكنك الاستماع للمقالة هنا

 

نعاني جميعنا هذه الأيام من أزمة انتشار الكورونا ونمربتحديات غير مسبوقة ونتساءل عن الذي يجب فعله. ومع التوسع الكبير لأزمة انتشار وباء كوفيد 19 وانتشاره في كافة أرجاء الأرض، أصبح لزاماً علينا المساهمة والمساعدة بمحاربة الفيروس وإيقاف انتشاره والعمل بعلم ووعي مع بعضنا.

 

هذا الوباء يتميز بأنّ آثاره طالت أركان كوكبنا جميعها وبسرعة فائقة، وأجبر دولاً صغيرة وكبيرة على اتخاذ إجراءات لو سمعنا بها قبل عدة أسابيع لضحكنا ووصفناها بالجنون. هذا الفيروس أوقف الحياة التي تعودنا عليها بطريقة مفاجئة، أغلق الأسواق والمطارات والمطاعم، أوقف السفر والسياحة ، جعل الشركات تلجأ لفكرة العمل من المنزل، وجعل التعليم يتوجه للتعليم عن بعد، وكل هذا سيجعل العالم الذي عهدناه قبل كوفيد-19 مختلفاً عن العالم الذي بعده.

 

أعتقد أنّ العالم سيتغيّر كثيراً، فهو الآن في طور إعادة التشكيل، والناس بأفعالها وقراراتها الآن سَتُكوّن الشكل الجديد للعالم، وسيكون لكل منّا دوره في صناعة التغيير الذي طالما نادينا به، و ناضلنا من أجله ومن أجل أن يكون هناك واقع مختلف عن الواقع الذي نعيشه بما فيه من نفاق وظلم وشر وفساد، وقلة محبة وإنسانية، وعدم مساواة. الواقع الذي بدأت فيه السلبيات تفوق الإيجابيات وتسود فيه الطاقة السلبية.

 

ربما لم نكن نتوقع أن يحدث شيء ما، ويستطيع بهذه السرعة الهائلة وعلى مساحة الكوكب أن يوقف كل ما تعودنا عليه ويجبرنا على أشياء جديدة، ويطالبنا بإيجاد حلول وطرق عمل لم نعهدها من قبل، وأعتقد أنّ ظهور هذا الفيروس كانت طريقة  أرضنا المنهكة، لتقول لنا كفى، ويبدو أنّ صبرها قد نفذ، وتعبت من المقدمات، وإعطاءنا الفرصة تلو الأخرى، وكانت ردة الفعل متساوية على الجميع، فلم يفرق الفيروس بين غني، ولا فقير، ولا موظف، ولا ملك، كل الفروقات والحدود المزيفة التي دأبت البشرية على صناعتها وتكريسها لم تقف أمام الفيروس الذي لم يعترف بأي منها وعاملنا كما نحن فعلاً كمكون واحد متصل.

 

لا أعتقد بأنّ الفيروس قد فُرِضَ علينا، وبقليل من التحليل، يمكن أن نستنتج أنّه أيضاً لم يكن حدثاً مفاجئاً بل نتيجة طبيعية وقد آن أوانها

 

في الأعوام القليلة التي سبقت الجرح السوري، كنت دائماً أُسرّ لأصدقائي أنّ كمية النفاق والفساد الأخلاقي والمالي والإداري والتعليمي والاجتماعي ووو القائم في سوريا، لا بد له أن يفجر شيئاً ما في مجتمعنا لأنه لايمكن أن تقبل الطبيعة وخالقها أن تبقى الأمور كذلك وبهذا الشر والسلبية المُفرطين.

 

كنت أقول لهم بأنّ هناك جرائم ترتكب يوميّاً من أخ بحق أخته، وزوج بحق زوجته، وأولاد بحق والدهم ووالدتهم، وصاحب عمل بحق موظفيه، ومسؤول بحق ما اؤتمن عليه، ولكن دون دم، فـالفساد والنفاق يغطيان كل شيء،    ولكن لا بد للدم والقهر الناتج عن هذه الجرائم اأن يخرج وينْفُر في وجوهنا،       ولم يكن يخطر لا في بالي ولا  بال من كان يسمعني أنه كان سيخرج بهذه الطريقة البشعة، وهذه الكمية الكبيرة، ولكن على ما يبدو، فإن كمية الأخطاء كانت كبيرة جدا حتى أحدثت ما أحدثت، ولا تزال.

 

وقد كنا، نحن من تآمرنا على أنفسنا، وأوصلنا حالنا إلى ما نحن عليها.  أقول ذلك لأن ما حصل في سوريا يمكن بطريقة أو بأخرى أن نسقطه على مايحصل في العالم، فكمية الفساد، وعدم المساواة، وانتشار التفرقة والعنصرية، والكراهية، والحروب، والنزاعات والانقسامات جعل ذبذبات طاقتنا السلبية تصل إلى حدٍّ أجبر الكون على تفعيل قوانينه والتي وردت في كتب خالقه السماوية جميعاً ، فنحن المُستخلفون، والمُؤتمنون على الأرض، إذ ما ضللنا الطريق، فهناك ردة فعل.

 

لا أعتقد أن مجيء هذا الفيروس يجب أن يكون مفاجئاً، بل يجب أن نعتبره ردة فعلٍ على سوء إدارتنا للأرض ورسالة واضحة وجليّة للتغيير، وعلى هامش ذلك يبدو أنّ كوكبنا أخذ نفساً من حركتنا، وتلويثنا، وضجيجنا، والجميل هنا، أنّه خاطبنا جميعاً مع بعضنا، خاطب الإنسانية جمعاء دون أي تفريق. وكأنه يقول لنا آن لكم أن تتحدوا وتوقفوا تفرقتكم

 

 استطاع الكوفيد-19 إيقاف إيقاع النشاز في الكرة الأرضية، وجعل الجميع يتراكض ويتعاون بحثاً عن حلول ويفكر بما كان غير قابل حتى للتداول والنقاش منذ بضعة أيّام خلت. ورغم الرعب المرافق لهذا الوباء، وسرعة انتشاره، إلا أنّ النظر بأرقام الضحايا، يوّضح بأنّ النسب قليلة جداً بالمقارنة مع مسببات الموت الأخرى ويمكن أن يبقى كذلك إذا استجبنا لنداءات التباعد الاجتماعي والبقاء في البيت حيث كل مايتوجب علينا لتجنبه وإيقاف انتشاره ومحاربته هو الجلوس في بيوتنا، البقاء مع عائلاتنا، وقضاء الوقت معهم، والقراءة والدراسة، والتفكير، ومراجعة الذات وصياغة الأهداف، وإيجاد طرق صحية للطعام، والرياضة والحركة،  وإذا ما فكرنا قليلاً بكل هذه الأشياء، نلاحظ بأنّها نفس الأشياء التي دأب المدربون والمستشارون والأطباء والكتاب والحكماء على قولها، والطلب من الجميع أن يفعلها، وكأنّ هذا الفيروس يقول لنا، اجلسوا في بيوتكم وفكروا وراجعوا أنفسكم ولن أضركم، فقط أريدكم أن تغيروا النهج الذي كنتم عليه، ليكون غدكم أفضل، وتبقوا مستحقين للقب خلفاء الله على الأرض.

 

طبعاً وكالعادة، ظهر كثير من الأصوات التي تقول أنّ هذا الفيروس مؤامرة ومفتعل، وما إلى ذلك من هذا الكلام، وطبعاً إنّ نظرية المؤامرة تسهّل الأمور على الناس، وتزودهم بالشماعة التي تعفيهم من التفكير والعمل، لأنها ببساطة، تقول بأنّ من هناك فعل ذلك من أجل شيء ما، ويبدأ الناس بالتهام هذا الطعم والتحدث فيه ونسيان مايتوجب على كل منهم فعله.

 

لا يوجد هناك أي إثبات لا علمي ولا منطقي بأنّ ظهور هذا الفيروس هو مؤامرة من دولة ما، طبعاً ماعدا منشورات التواصل الاجتماعي والصور والتقارير المضحكة، والتي يشاركها الناس بالآلاف، مما يزيد كمية الخديعة لأن تكرار الفكرة يساعد على زيادة مصداقيتها واستهلاك الناس لها.

 

يحب الكثير من الناس تصديق فكرة المؤامرة، رغم عدم وجود أي تفسير بينما وعلى الطرف الآخر، هناك تفاسير علمية ومثبتة لظهوره وانتشاره، وحتى عشوائية انتشاره، وانتشاره في دول دوناً عن غيرها، لمن يريد ملاحقة الحقيقة ومعرفتها سيجدها، أما قراءة منشورات هنا وهناك، وسماع فيديوهات تنتشر كالنار في الهشيم، فهو ابتعاد عن الحقيقة ومساهمة بتحييد الوعي المجتمعي عنها.

 

 وأود هنا ومن باب الافتراض الجدلي أن أقول أنّه إذ كانت فعلاً هي مؤامرة، فما الذي ستفعله أنت؟ فلست تعرف من صاحبها ولا ماهيتها ولا أهدافها، ولا إلى أين ستصل ولا المطلوب منها، وعلى الأغلب فإن دولتك ليست من المتآمرين، بل من المتآمر عليهم.  لذلك فإنّ ملاحقة أخبار المؤامرة وقراءة المقالات التي تدعمها، ومشاهدة الفيديوهات التي تؤكدها، لا تقوم إلا بتضييع وقتك وحرف مسارك كي لاتكون جزءاً من ردة الفعل ولاجزءاً من التغيير، لن تكون سوى مسهّلا لتلك المؤامرة. وإن كانت فعلا مؤامرة، فاعمل على إفشالها وليس الترويج لها. استثمرها واقلب السحر على الساحر. وهكذا تكون قد قمت بواجبك الفردي والمجتمعي والإنساني. لذا أنصح ومن القلب أن نركز في أنفسنا، والعمل على تطوير ذواتنا، وتحسين واقعنا، وإزالة الشوائب التي أغرقت مجتمعنا وفهمنا لحياتنا، كي نعيش حياةً أفضل.

 

نعيش اليوم مفصلاً خطيراً في حياتنا كبشر، وما نمر فيه نادر الحدوث، لذا فهو فرصة كبيرة جداً فليس قليلاً أن تُغلق دور العبادة في أنحاء الأرض والشوارع وساحات مدن العالم فارغة وطلاب المدارس والجامعات وجميع الموظفون حبيسي بيوتهم. أرى في ذلك شيئاً كبيراً وفرصة نادرة على هذا المستوى لنعيد التفكير ونقوّم العمل. لست الوحيد الذي يعتقد بأنّ العالم بعد الكورونا لن يكون ذلك العالم قبله، وأنّ ما سنفعله الآن هو الذي سيحدد طبيعة وشكل العالم الجديد.

 

 وبما أنّ الفيروس لم يفرّق بين غني وفقير، ومسؤول ومواطن عادي، وأبيض وأسود، ومسلم وبوذي ومسيحي وملحد، فتشكيل العالم الجديد سيكون ملكاً للجميع، ولن يكون مقتصراً على أحد، فالنظام العالمي القديم انتهى، ونحن من سيصنع النظام العالمي الجديد، ونحن هنا تشملنا جميعاً، جميع من يعيش على هذا الكوكب، ولا أغفل أنّه ستكون هناك مقاومة هائلة للتغيير، لذلك نحن بحاجة لتكاتف وتحالف قوى الخير والمحبة ونشر الذبذبات الطاقية الإيجابية، لنحدث الفرق وتمنعنا من العودة إلى ما كنّا عليه أو أسوء منه.

 

الفترة الحالية، تحتاج من كل منا أن يقوم بدوره، أن يتخلى عن صمته، وأن يبدأ بالفعل.

 

لنعمل معاً على عالم تسوده المساواة والمحبة والخير، عالم يتقبل فيه كل منا الآخر، نفهم فيه الدين بشكل جيد، ولا نوزع فيه صكوك الغفران ومفاتيح الجنة لمن هم مثلنا فقط عالم نفهم فيه المعنى الحقيقي لكلمات الله التي أرسلها لنا في جميع كتبه، ونطبقها بطريقة صحيحة، للعيش بسلام وتجنب ردة فعل أخرى كهذه.

 

يجب أن نضع حدّاً للنفاق والغش والتمييز والفساد، والبداية وبكل بساطة من أنفسنا، يجب أن نقضي على الجهل وننشر الوعي والعلم كي يكون مستقبلنا مُناراً بالحقائق لا بالخُزعبلات.

 

وهذه دعوة لكل من يريد توجيه جهوده نحو خلق العالم الأفضل لمن يريد أن ينشر المحبة، ولمن يريد أن يعفوا عما مضى والنظر للمستقبل فقط…   فنحن وأولادنا نستحق عالماً أفضل.

 

والسلام… بكل ماتحمله كلمة السلام من معنىً …كسلام ابراهيم في قلب النار… سلامٌ لكم وعليكم ورحمة من الله.

 

يمكنكم مشاهدة فيديو المقالة من خلال هذا الرابط

مقالات أخرى يمكن أن تهمك

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

%d مدونون معجبون بهذه: