منذ أن بدأت العمل على فكرة نيوفيرستي كمؤسسة للتعليم عن بعد لتدريس المهارات الاحترافية بطريقة حية وتفاعلية وباللغة العربية وأنا أحاول نشر ثقافة التعليم الالكتروني كطريقة لاكتساب المهارات وتطوير الذات والوصول لدورات وبرامج تدريبية غير متاحة في مكان إقامة الشخص. وكانت الممانعة والتشكيك سيدا الموقف في غالب الأحيان.
والفكرة هنا أن التعليم الالكتروني ليس بديلاً عن التعليم التقليدي وإنما رديف مهم له فوجود حسابات للطلاب ضمن منصة الكترونية تابعة للمؤسسة التعليمية يساهم في تعزيز العملية التعلٌّمية لدى الطالب من خلال سهولة الوصول لجميع الموارد التعليمية في أي وقت ومن أي مكان ومن خلال التواصل والتفاعل مع زملائه في مايسمى بالتعلم الاجتماعي وتعلم الأقران. وقدتوصلت الكثير من الأبحاث إلى أن التعليم الممزوج (Blended Learning) والذي يحتوي على النوعين من التعليم، التقليدي والافتراضي يُحقق أفضل النتائج المرجوة من العملية التعليمية.
ويجب التفريق أيضاً بين استخدام التعليم الالكتروني في تقديم التعليم الأكاديمي واستخدامه في تقديم التدريب وتدريس المهارات. ففي حالة التعليم الأكاديمي من الأفضل أن يكون التعليم الالكتروني رديفاً للتعليم التقليدي المباشر. بينما في حالة تعلم المهارات والتطوير الذاتي، يمكن أن يتم الاعتماد بشكل كامل على تقنيات التعليم الالكتروني. لا أزعم هنا أن التعليم الالكتروني أفضل، فهذا رهن بالنتائج ولكن غالباً مالاتكون الدورات والبرامج التدريبية متوفرة في مكان إقامة الطلاب أو حتى في بلدهم فعندئذٍ يكون التعليم الالكتروني بديلاً ممتازاً لتقديم التعليم والتدريب.
ومع تفشي فيروس كوفيد19 (الكورونا)، والحاجة للتقليل من التواصل البشري لردع انتشار الفيروس واضطرار العديد من الدول لاتخاذ القرار بإغلاق المدارس والجامعات، برز التعليم الالكتروني كحلٍ عملي وفعّال للحفاظ على سير العملية التعليمية وفي مقالها الرائع حول هذا الموضوع “التعليم الاخطبوطي”، تحدثت الدكتورة سوسن الأبطح عن الأداء المبهر للصين في الانتقال للتعليم الالكتروني وقالت: ” الإنجاز الصيني سيفتح النقاش حول التعليم الرقمي على مصراعيه، رغم المقاومة الشديدة له في بقاع كثيرة. سيتبين أنه ليس خياراً تنتهجه الدول أو تذهب إلى غيره. من فرنسا إلى إيطاليا ولبنان والإمارات الجميع يتحدث اليوم عن ضرورة متابعة التعليم في المنازل بسبب كورونا، وغداً ستكون محن أخرى، لكن أي تعليم؟ ولماذا يبقى حكراً على المحظوظين؟”وتحدثت في مقالها عن الحاجة الملحة لاستخدام التعليم الالكتروني وتجهيز بنيته التحتية في البلاد العربية وباللغة العربية.
وتوالت المقالات والمنشورات التي تدعو لتبني التعليم الالكتروني في مواجهة أزمة الكورونا. وفي عنوان لافت، كتب رئيس الجامعة الافتراضية السورية منشوراً بعنوان ” كورونا ينتقم للتعليم الافتراضي” قال فيه: ” اليوم، ينتقم فيروس كورونا من هذه المنظومات التعليمية العربية ويجبرها على الرضوخ لمشيئته، بجعل دول كثيرة منها تنتقل للتعليم الإلكتروني عن بعد وتعتمده لتلافي خطر انتشار الفيروس في المدارس والجامعات !” وفي منشور للدكتور ميلاد السبعلي “الكورورنا والتعليم الالكتروني وضريبة الريادة” يقول: “والكثيرون اكتشفوا بهجة وقيمة التعليم الالكتروني بعد أن كانوا حتى الأمس يمتدحون فوائد غبار الطبشور على دماغ المعلم والطالب! سريعاً ما يظهر للعامة مستوى الضحالة والارتجال والتخبط والجهل التي يتمتع بها الكثير من القيمين على القرار والتخطيط التربوي في منطقتنا… بالعودة الى الموضوع العملي: ما هو التعليم الالكتروني الذي يصلح في هكذا ظروف؟ هل يكفي أن نتواصل مع الطلاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي لنخبرهم اية دروس وفروض يجب ان يتابعوا من كتبهم؟ كلا. فهذا تواصل وتنظيم اعمال وليس تعليماً.” . حتى أن هذا النقاش انتقل إلى الدول المتقدمة التي أصبحت جامعاتها تفكر بتسريع تقديم درجات أكاديمية بشكل كامل عبر الانترنت.
لم يكن يخطر في بال أحد أن وباءً عالمياً هو من سينتصر للتعليم الالكتروني ويجبر دولاً على تبنيه واستخدامه بشكل مستعجل ويُثير النقاشات الحامية والدعوات لتبنيه وتجهيز بنيته التحتية في العالم العربي. ربَّ ضارة نافعة، فرغم كل شرور كورونا، إلا أنني أتمنى أن يكون له هذا الجانب الإيجابي في تسريع الانتقال ولو جزئياً إلى التعليم عن بعد ونشر ثقافته في بلادنا.