986
مع استمرار مراكز البحث العلمية في العمل لإيجاد لقاح للكوفيد-19، سنظل في معارك كرٍّ وفرٍّ مع هذا الفيروس للمحافظة على قدرة الأنظمة الصحية في الدول على التعامل مع أعداد الإصابات. وهذا يعني أن الأمور لن تعود كما عهدناها ماقبل الكوفيد-19 في المدى المنظور على الأقل. لذلك يجب العمل وبجد وبسرعة على بناء أنظمة مستدامة للعمل ضمن مستويات الحظر المُختلفة كجزء من هذه المعركة. وينطبق ذلك على جميع مناحي الحياة وقطاعاتها فالحياة لايمكن أن تتوقف. والإنسان معروف عبر تاريخه الطويل بقدرته على التَأقلُم والتَكيّف باختلاف الثمن والصعوبة وعلى اختلاف العصور.
وهنا يبرز قطاع التعليم كأحد أهم القطاعات وأكثرها حيوية حيث لايمكن ولابأي شكل من الأشكال إيقافه حتى الانتهاء من معركتنا مع الكوفيد-،19 بل يجب أن يكون من أولويات حياتنا، والاهتمام به باستمرار، كونه الورقة الرابحة دوماً في أي معركة مهما كان نوعها.
ومن الواضح أن لهذا الوباء انعكاس كبير جداً، وسيمتد أثره لفترة طويلة على مختلف المؤسسات والأعمال وبالأخص على المؤسسات التعليمية أو الشركات التي تقدم التأهيل والتدريب المستمر، حيث ستكون بحاجة للتفكير دوماً بطريقة لتقديم التعليم والتدريب حتى عندما لا يتمكن الأشخاص من حضور الفصول الدراسية التقليدية، أو الالتقاء في مكان ما.
وقد أتى هذا الفيروس والبشرية تملك مايلزم للإبقاء على التعليم مستمراً ولو بطريقة أقلّ فعالية. مانحتاجه فقط هو الإلمام بالوسائل والأدوات المتاحة في التعليم الالكتروني ومواءمتها مع متطلبات كل نظام تعليمي في كل دولة وجَعلِها مُتَاحة للطلّاب. فالتطور الحاصل في التعليم الالكتروني يَسمحُ بالبدءِ بخطوات بشكل مباشر وبميزانيات ضئيلة نسبياً وبنية تحتية عادية ومن ثم تطوير كل ذلك خطوة بخطوة.فلا يجب على سعينا للكمال أن يمنعنا بالقيام بماهو ممكن.
وحتى في حال عودة التعليم إلى سابق عهده، فمن المفيد أن يكون التعليم الالكتروني جزءاً من عملية التعليم المتكاملة لعدة أسباب أذكر أهمها هنا: 1- التعليم الالكروني يعزز المهارات الرقمية للطلاب ويجعلهم قادرين على التعامل مع أدوات العصر. 2- التعليم الممزوج(المُدمج) يُعدُّ أفضل نماذج التعليم والتعلم بناء على الأبحاث العلمية في هذا المجال. 3- وجود حساب رقمي لكل طالب يكون مرجعية له ولتعلمه على مدى السنين يعزز من فرص التعلم مع الأقران والعمل ضمن المجموعات في ما يسمى التعلُّم الاجتماعي.
وبالحديث عن التعليم الالكتروني يجب أن لانُغفل الدور الكبير للتعليم التقليدي في عملية التَعلُّم. فبالنسبة للأطفال الصغار والمراهقين والمراهقين الشباب، تعتبر الفصول الدراسية التقليدية أكثر ملاءمة، حيث يساعدهم الحضور المنتظم في الفصول الدراسية على التفاعل مع الأفراد الآخرين في سنهم، والانضباط بشكل أفضل، واتباع جدول منتظم، وتحسين لياقتهم البدنية واليقظة العقلية. كما أن التواصل مع أقرانهم أساسي في تطور شخصياتهم ونمو وعيهم. كما يساعد التعلُّم في الفصول الدراسية الطلاب والمعلمين على معرفة بعضهم البعض بطريقة أفضل، وهذا يسمح للمعلمين بمعرفة الطلاب وتقييم نقاط القوة والضعف لديهم بشكل أفضل، والعمل على توجيه الطلاب في إمكانياتهم المهنية. في الصف الدراسي التقليدي، يمكن للطلاب مشاركة وجهات نظرهم مباشرة وتوضيح استفساراتهم الخاصة مع المعلم، وبالتالي الحصول على إجابات لأسئلتهم على الفور.
إنّ ما يميّز التعليم التقليدي، هو أنّ التدريب في الفصول الدراسية يكون بين المعلم والمتعلم بشكل فيزيائي سويّة، مع القدرة على الانغماس بالأنشطة الصفية والمناقشات والمتابعة، لكنّه يستغرق وقت أطول مع فكرة الاعتماد على الغير، أي عدم الاعتماد على الذات بالبحث والحصول على المعلومة.
إلا أنه وفي زمن الأزمات كالذي يحصل حالياً، والذي أجبر مئات الملايين من الطلاب على البقاء في بيوتهم، فمن الأفضل اللجوء مؤقتاً لحلول التعليم الالكتروني لإبقاء الطلاب على صلة وتواصل مع المعلمين والعملية التعليمية. فالتعليم الالكتروني هنا مؤقت وليس بديلاً عن التعليم التقليدي. وكقيمة مضافة لكل هذا فإن مهارات الطلاب الرقمية ستتطور وسيكون من السهل إدماج البعد الالكتروني في التعليم مابعد الجائحة ونكون جاهزين لأي طارئ غير متوقع في المستقبل.
وعلى الناحية الأخرى ومن خلال التعلم عن بعد، لا داعي لأن يكون المعلم والمتعلم موجودين سوية في نفس المكان، حيث يمكن أن تحدث عملية التعليم في أي مكان وأي وقت، ويُعتبر أكثر فعالية من حيث التكلفة وقابلية التطوير، كما أنه يُحفز عملية التعلُّم لأن الطالب لا يعتمد على الغير، أي أنه يعتمد على نفسه في البحث والحصول على المعلومة.
لذلك فإن التعليم الالكتروني يُشكّل حلّاً خلّاقاً للتدريب والتأهيل وتعليم المهارات. فعادة ما تكون دورات المستوى المهني لزيادة مؤهلات الأشخاص وتعزيز فرصهم المهنية في وظائفهم، على سبيل المثال، للحصول على ترقية في وظائف أعلى وأجور أعلى في الدرجات المهنية ذات الصلة بالإدارة، ومع ذلك، نجد العديد من الموظفين مُرهَقين بعد عملهم ولا يرغبون في حضور الفصول الدراسية العادية، لذا تُعد الدراسة عن بعد أكثر ملاءمة لهم، حيث أنّها توفر الوقت والمال والطاقة، وبإمكاننا القول أنّ أفضل شيء في التعلم عبر الإنترنت هو أنه يمكن للأفراد الحصول على دورة دراسية من مكتبهم أو منزلهم، حتى مع وجود جدول مزدحم، فيمكن للمرء أن يجد بعض الوقت لأخذ دورة أو دراسة لذلك.
في الفصول الدراسية عبر الإنترنت، لا يتفاعل المتعلم بشكل مباشر مع أعضاء هيئة التدريس، لذلك في حالة وجود أي أسئلة، قد يجدون صعوبة في سؤال مدربهم عبر الإنترنت، لأن التواصل غالبًا ما يكون غير شخصي للغاية، ومع ذلك، غالبًا ما تقدم هذه الدورات التدريبية بدائل لحل هذه المشكلة مثل المنتديات عبر الإنترنت ورسائل البريد الإلكتروني وغرف الدردشة، ويمكن أن يكون استخدام هذه البدائل مفيداً للأفراد للإجابة على استفساراتهم، وهكذا نجد أنّه غالبًا ما يُعتَقَد أن التفاعل مع مدرب مباشر هو أفضل طريقة للتعلم، حيث إنّه تفاعلي ويسمح بالتواصل ثنائي الاتجاه، بالنسبة لهذه الفئة من المتعلمين ستكون الدورات التدريبية المتزامنة عبر الإنترنت أكثر ملاءمة. وهذا مانتّبعهُ في نيوفيرستي وقد كان له آثار رائعة على العملية التعليمية وعلى نسبة الإكمال التي نفخر بها والتي وصلت إلى 92%.
إن الحفاظ على اهتمام المتعلم فعّالاً أمرٌ صعب، حيث يوجد الكثير من عوامل التشتت، لذلك يمكن أن يكون التعلم بشكل تفاعلي حلاً فعالاً من خلال طرح سؤال أو استطلاع أو اختبار أو استخدام مبادئ نظرية الألعاب (Gamification). ولقياس نسبة الفهم لدى الطلاب يُمكن إجراء الاختبارات القصيرة إما أثناء الجلسات أو بعدها من خلال نظام إدارة التعلم الخاص بالمؤسسة.
