الرسالة الشخصية والأهداف

“أتمنى أن أستطيع أن أتمنى أي شيء”، كان جواب أغنى رجل في العالم عندما سُئل في إحدى المقابلات: “ماذا تتمنى؟” قالها بيل غيتس، رئيس شركة مايكروسوفت، ومسحة من الاكتئاب تكتسي ملامحه بعد أن كان يشرح لمُحدّثَتِه عن كيفية زيادة حجم ثروته بمرور كل ثانية من الزمن. وأعتقد أن مسحة الاكتئاب هذه تعود إلى أنه وصل إلى كل شيء يَودُّ تحقيقه ووقف عند سؤال “وماذا بعد؟”. لذلك وجدناه، وخلال الأعوام التالية، يقود عدة مشاريع تعليمية لمساعدة الفقراء في عدة دول في العالم من خلال تأسيسه، في عام 2008، لمؤسسة بيل وميلندا غيتس الخيرية والتي تُعتبر أكبر مؤسسة خيرية في العالم، كما قام منذ عامين تقريباً بالتبرع بنصف ثروته في مااعتبر أكبر عملية تبرع في التاريخ. ومافعله بيل غيتس، كما أظن، هو خلق رسالة شخصية له وهي التي أعادت البريق والمعنى لحياته.

 

فما هي الرسالة الشخصية (Personal Mission Statement) وماهي الأهداف؟ إن كلّ شخص منا صاحب رسالة في الحياة ولكل منا أهدافه، ووجود رسالة شخصية يعمل على تيسير حياة الشخص ومساعدته في الوصول إلى مايصبو إليه. فالتفكير في صياغة الرسالة يَجعل الإنسان يناقش نَفسَهُ في مايريد أن يفعل وفي مايريد أن يكون، وبعد أن يعرف ذلك تَدخلُ سعادةٌ وراحةٌ إلى حياته ويصبح متحمساً للحياة مع شروق شمس كل يوم لأنه يعيش ليفعل مايريد الوصول إليه والجميل أن الرسالة ليست نهائية، فهي قابلة للتعديل من فترة لأخرى حسب خبرات الشخص وتجارب حياته.

 

فالرسالة ببساطة هي ما تريد فعله وما تريد أن تكون عليه في حياتك، أما الأهداف فهي الأشياء التي تفعلها في خدمة رسالتك. فالرسالة لا منتهية، والأهداف منتهية. رسالتك لاتنتهي بنهاية حياتك وربما ياتي أحد ما من بعدك ليكملها، وهذا مايجعل الشخص دائم الحماس لتحقيقها، أما الأهداف فهي سلسلة من الأفعال نفعلها في سبيل تحقيق رسالتنا وكلما أنجزنا هدفاً ما، ننتقل لصياغة الهدف التالي ونعمل عليه. ولتوضيح الفكرة أعطي مثالاً عملياً؛ يمكن لشخص ما أن يقول أن رسالتي في الحياة هي تقديم العون لذوي الاحتياجات الخاصة (وهذه رسالة غير منتهية)، ولتحقيق هذه الرسالة فإن لدي مجموعة من الأهداف كأن أعمل على جمع التبرعات، أو أن أعمل على تصميم تكنولوجيا ما لمساعدتهم، أو إنشاء جمعية تُعنى بشؤونهم، وكلّما تم انجاز هدف من هذه الأهداف، يتم الانتقال للهدف التالي. إن الخطأ الذي يقع فيه أغلبنا هو وضع الهدف فقط وطبيعة هذا الخطأ تكمن في حقيقة أنه وبعد إنجاز الهدف يسأل الشخص نفسه وماذا الآن؟ وربما يؤدي ذلك للشعور بالإحباط.

 

تتم صياغة الرسالة الشخصية وتحديد الأهداف بجلسة نوعية مع الذات حيث يتم فيها الإجابة على أسئلة مهمة وأساسية في حياة كل منا، وكتابة الإجابات على دفتر خاص حيث أن عملية إتمام صياغة الرسالة قد تتطلب وقتاً، خاصة لجهة الإجابة على بعض الأسئلة المفصلية، حيث أن مُعظمنا لايملك تجربة في الإجابة على هذا النوع من الأسئلة بشكل ذاتي، ومن هذه الأسئلة: ماهو هدفي في الحياة؟ ماهي قيمي الأساسية في الحياة؟ ماهي نقاط القوة التي أتمتع بها؟ ماهي الأشياء التي استمتع بفعلها؟ ماهي الأشياء التي يحبها الآخرون فيّ، وماأكثر مايعجبني في الآخرين؟ ……. إلخ. بشكل عام، فإن رسالتك يجب أن تكون بسيطة وغير طويلة (من 2 إلى 5 جمل)، ويجب أن تحتوي على كلمات إيجابية بمعنى أن تذكر ماتريد أن تكون عليه، لا مالاتريد أن تكونه، وحاول أن تجعل الأفكار الواردة فيها إيجابية وذات طبيعة تحفيزية. ولايجب أن تحتوي الرسالة على قائمة بالأشياء التي يتوجب عليك فعلها، كما أنها ليست طرائق واستراتيجيات لتنفيذ واجباتك وليست وصفاً لمهنتك كما يجب أن لايكون أداءك لعباداتك أو علاقتك برب العالمين جزءاً منها، فذلك شيء آخر، وفطري.

 

بقي أن أقول أن كل شخص، بغض النظر عن علمه وعمله وعمره، يجب أن يقوم بتمرين إعداد الرسالة الشخصية. ربما يكون الأمر غريباً بعض الشيء، أو ربما يتسم بالصعوبة، لأنه يتوجب عليك فعل مالم تتعود على فعله كما يتطلب منك مواجهة ليست بالسهلة، وربما محرجة، مع نفسك. ولكن القيام بهذا التمرين سيعطي لباقي حياتك طعماً أحلى ومعنىً أكبر وسيجعلك تحس بوجودك وقيمتك في هذه الحياة، فلاتبخل على نفسك والأمر لك وبيدك فاضرب لنفسك موعداً مع نفسك واختر غدك.

مقالات أخرى يمكن أن تهمك

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

%d مدونون معجبون بهذه: