السلطة مع المعارضة

by Lobana

في ربيع العام 2014، كنت في زيارة لأحد الجامعات الاسبانية لحضور اجتماع مشترك لبعض الجامعات العربية والأوربية يتعلق بتبادل الطلاب فيما بينهم، وصادف أن كان اليوم الأول لاجتماعنا هو يوم انتخاب رئيس جديد للجامعة، وعلمنا أن هناك مُرَشَّحَيْن للمنصب وكان الجميع في الجامعة مشغولون جداً بهذا الحدث الكبير، ويشغل جزءاً كبيراً من تفكيرهم وحديثهم. وكان من المقرر إعلان النتائج مساء ذلك اليوم.


وفي ذلك المساء أُقيم حفل عشاء لجميع المشاركين في المؤتمر مع عدة شخصيات وأساتذة وإداريين من الجامعة، وكان الشغل الشاغل للحاضرين من الجامعة متابعة نتائج الانتخابات على موقع إلكتروني تم تخصيصه لهذا الغرض، يعرض بشكل مباشر نتائج عد الأصوات، وكان من الواضح لنا أن الحضور على العشاء كان خليطاً من مُنَاصِرِي كِلا المرشحَّيْن.


كان الاستقطاب واضحاً بين الجانبين، وتم خوض نقاشات حامية حول أهمية فوز كل مرشح وبدؤوا يشرحون لنا ذلك -نحن الضيوف- بحماسة منقطعة النظير. وأثناء عملية العدّ، كنا نرى كيف يقف مناصرو المرشح الأول ويصفقون ويصيحون عندما تميل الكفة لصالحه، ثم بعد قليل تتغير الموازين لصالح المرشح الثاني فيحتفل مناصروه بالتهليل والتصفيق.


المثير للاهتمام بحديث أفراد الطرفين هو أن كلاهما لديه طريقة وأفكار لإدارة الجامعة وقيادتها، وكل منهما يرى أن طريقته هي الأفضل، وكل طرف من خلال النقاشات التي استمعنا إليها يقدم الدلائل والبراهين على صحة استراتيجياته.


كان الطرفان يتنافسان في حب الجامعة وتقديم الأفضل لها برؤى مختلفة وأفعال مختلفة، وكل منهما يسعى للحصول على تأييد الأغلبية للفوز بمنصب الرئيس وبالتالي الإدارة، واستمر الوضع كذلك إلى أن جاءت تلك اللحظة التي أُعْلِن فيها عن فوز الرئيس وكاد مناصروه أن يصعدوا على طاولات العشاء تعبيراً عن فرحهم بالنصر.

 


كان الملفت مبادرة الفريق الخاسر بتهنئة الفريق الفائز وحتى مشاركتهم احتفالهم وتمني التوفيق لهم في مهامهم وخططهم والتعبير عن استعدادهم للمساعدة في أي مجال.

 


وفي خطاب الخسارة، قال المرشح الخاسر في بث مباشر”نتمنى لكم لتوفيق، ونهنئكم لحصول أفكاركم واستراتيجياتكم على أغلبية أصوات الجامعة، ونحن سنبقى مراقبين لأدائكم وسنحاسبكم في حال وجود تقصير من قبلكم في أداء العمل وتحقيق الأهداف التي من خلالها حصلتم على دعم الأغلبية”. وانتهى حفل العشاء والسعادة تغمر الجميع ويحدوهم الأمل بأيام قادمة أجمل وأفضل لجامعتهم.


نظرت إلى زميلتي وقلت لها: هل ترين كيف أنّ المعارضة تحب الجامعة تماماً كما يحبها من هم في السلطة والجميع يعملون لصالحها، فوجود المعارضة مهم لتكون عين الرقيب على السلطة وكيفية حكمها للجامعة، فـبِدون وجودها يمكن للسلطة أن تخطئ وتُقَدِّمَ المصالح الشخصية على العامة وتَجْنَح عن المسار دون وجود أحد ينبهها. وجود المعارضة يعني الحفاظ على التوازن، لذلك فهي جزء لا يتجزأ من الحاكمية، فبدونها يَسْهُلُ فَقْد بوصلة العمل، وتنشأ شبكة مصالح تضيع فيها الحدود بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة وتحمي ذلك بالفساد. ولكن يجب أن تقف بدورها مع السلطة التي تملك القرار حالياً في مواجهة التحديات وتحمل المسؤوليات وتدعمها بكل ماأوتيت من قوة، لأن السلطة استُمدّت من مجتمع الجامعة والجميع معنيون بخدمته ولكن بقيادة السلطة.


ومن جهة أخرى فإن من في السلطة يجب أن يعي دائماً أن هناك أقلية لم تصوت لهم ومن واجبهم الحفاظ عليهم وعلى حقوقهم وحرية آرائهم، فالسلطة تعني قيادة الجميع وتأمينهم والحفاظ على جميع حقوقهم وواجباتهم.


بقي أن أذكر أنه وفي الانتخابات التي جرت بعد أربعة أعوام، فاز المرشح الذي خسر انتخابات العام 2014، وتكرر المشهد الذي شهدته خلال ذلك العشاء وتبادل الطرفان المواقع، وإلى اليوم مازال من هم في السلطة ومن هم في المعارضة يتنافسون في حب جامعتهم والعمل على خدمتها.

مقالات أخرى يمكن أن تهمك

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

%d مدونون معجبون بهذه: