لا يخفى على أحدٍ أهمّيةَ التكنولوجيا في يومنا هذا، وأنّه من الطّبيعي أن تدخل في جميع أمور حياتنا، فالتّعليم مثلًا كُلّما تطوّرت أدواته؛ أصبحَ أكثر مرونة، وأصبح أقرب إلى المُتعلّمين. يُعتبر التّعليم الالكتروني قفزةً نوعيةً في تطوّر أساليب التّعليم، وبعد جائحة Covid-19 وجد العالم نفسه مُضطرًّا لاعتماده، وأصبحت مهارات التّعليم عن بعد من أكثر المهارات المطلوبة في التّوظيف لدى الهيئات التّعليمية، حتّى في البلاد التي لم تكن ميّالة لهذا النّوع من التّعليم.
ليس التّعليم الالكتروني بديلًا عن التّعليم التّقليدي، وإنّما هو رديفٌ له، ويُتيح خياراتٍ أكثر للطالب، ويوفّر عليه الوقت، والمال، وبهذا لا يكون التّعليم حكرًا على أحد، وقد يعتقد البعض أنّ التّعليمَ الالكتروني شبيهٌ بالتّعليم التّقليدي، ولا فرق جوهري بينهما غير أنّه في التّعليم التّقليدي يكون المُعلّم، والطّالب في حيّزٍ مكانيٍّ واحد، بينما في التّعليم عن بعد يكفي أن يظهر المُعلّم أمام الطّالب، وبدل أن يكتب على السّبورة، يقدّم عرضًا على حاسوبه وينتهي الأمر! إنّ الأمر ليس بهذه الرومانسية وليس بتغيير الأدوات من سبّورة إلى شاشة، ومن قلم إلى لوحة مفاتيح، الأمر يحتاج تفاصيلَ أكبر ومن هنا تبرز الحاجة لفهم عملية تصميم الدروس في العملية التدريسية عن بعد وهو ما يُسمى Instructional Design.
تعتبر مهارة تصميم الدروس عن بعد إحدى المهارات التي يجب على المعلّم تعلّمها ليستطيع دراسة، وفهم احتياجات الطّلّاب، والتّجهيز الأمثل لبيئة عملٍ تُناسب مقدراتهم، وأوضاعهم لتحقيق الهدف التّام من العمليّة التّعليميّة وإحداث تغييرٍ حقيقيّ. ولفهم كيفية تصميم الدروس عن بعد علينا المرور على مجموعة من المفاهيم لفهم السياق العام للتعليم عن بعد.
بين التّعليم والتّعلُّم؟
يعتمد التعلّيم التقليدي على المُدرس المسؤول فعليًّا عن إيصال المعلومة، فيكون “مُلقّناً”، بينما يكون الطّالب هو “المُتلقّي”. إنّ هذين التّعريفين لم يعودا دقيقين في عصر التّعلم عن بعد، ففي ظلّ سهولة الحصول على المعلومات لم يعد الطّالب فقط مجرّد مُتلقٍّ، بل يجب أن يكون أيضاً باحثًا عن المعلومة، وعوضاً أن يكونَ المُدرّس هو المحور الأساسي للعمليّة التّعليمية، أصبح الطّالب هو محور العمليّة التعليمية، والمُعلّم هنا هو المُيسّر، والمٌسهّل للعمليّة التّعليمية فقط. وفي هذا السياق، يركّز التعلُّم الالكتروني على الطّالب العنصرٌ الفاعل الذي يملك الأدوات، وهو المركز، والمحور، وعليه بذل جهدٍ، وصاحب المساهمة الأساسية في عملية التّعلُّم.
أهداف العمليّة التّعليميّة
لا يُمكنك أن تصيبَ هدفًا لا تراه، يجب على المُتعلّم والمُعلّم أن يكونا أمامَ هدفٍ واضحٍ خلال مسيرتهم العلميّة ولتحديد أهداف العملية التعليمية علينا الإجابة عن التساؤلات التالية:
حدّد ما هي المُشكلة التي تحاول حلّها من خلال عمليّة التعليم هذه؟ ما هي المُشكلة؟ ما هو الشيء السيء الذي سيحصل في حال لم يتعلم الطّالب؟ ماذا سيفعل الطّالب بما تعلّم؟ كيف سيتأكد المُعلّم أنّه يقوم بمهمته بالطّريقة الصّحيحة؟ وكيف سيعرف أنّ الطّلاب لم يفهموا المقصود تمامًا؟
حدّد الهدف، والمُخرجات من العمليّة التّعليمية، وماذا يتوقّع من الطّالب أن يتعلّم بعد إتمامه رحلة التّعليم هذه؟ حدّد الفجوات بين المستوى الحالي، والهدف (معرفة، تحفيز، بيئة..) أي معرفة نقاط الضّعف عند الطّالب، والعمل على حلها، وابتكار أفكارٍ تحفيزيّة ترفع من همّة الطّالب، وتُحفّزه على النّجاح.
أنماط المُتعلّمين
من المتفق عليه أنّه ليسَ كلّ النّاس لديهم نفس الصّفات الشّخصية، والفكريّة، لذا يجب على المُعلّم أن يحاول الإحاطة بجميع الأنواع ممّا يجعل من العمليّة التّعليمة مُمتعةً أكثر، وبالطّبع ليس من السّهل معرفة جميع أنماط المُتعلمين، ولكن عمومًا هناك أربعة أنماط:
-
من يفضّل السّمعي
-
من يفضّل البصري
-
من يفضّل العمل باليدين
-
من يفضّل القراءة والكتابة
لذا عند تصميم الدّروس يجب أن تحتوي هذه الدروس على مُحتويات تُحاكي جميع أنواط المُتعلمين، مثلًا مقاطع فيديو، مقاطع صوتيّة، تمارين، نصوص وإليكم بعض النصائح في هذا السياق
-
اجعل الحوار حاضرًا دائمًا بينك وبين طلّابك: افهم كيف يُفكّرون، اعرف تقييمهم، واستفد من آرائهم، قد يُزوّدوك بأمثلة، وأفكار جميلة.
-
جرّب مع طلّابك: دعهم يُجرّبون التّعلّم، والتّمارين، كي تحصلَ على تقييمٍ حقيقيٍّ.
-
احرص على أن يكون التّعليم مُرتبطًا بالواقع: أي يكون قريبًا من النّاس، وأن يكونَ مُرتبطًا بتحدّيات الحياة الحقيقية.
-
اجعل طلابك يحسّون أنّهم أذكياء، من خلال طريقة الأسئلة ونوعيّتها، اجعلها تخاطب جميع المُستويات، حتى أولئك ذوي المُستوى المُنخفض، استفد من معلوماتهم عن الموضوع، اجعلهم يشعرون بالنّجاح المُبكر، اعطهم بعض القرار مثل اختيار ترتيب الدّروس مثلًا، وأبعد الخوف والقلق عنهم، اجعل من عمليّتك التّعليمية مكانًا آمنًا للرسوب أو عدم النّجاح، ومعاودة النّجاح.