أدمغتنا والتركيز

يقول كريس بيلي في كتابه Hyper Focus أن ” قدرتنا على تركيز انتباهنا تحدد حالتنا في الحياة” لذا فإنه من الضروري أن نعمل على تعزيز قدرتنا على الانتباه كي نستطيع التركيز بشكل أكبر ونتشتت بشكل أقل ونصبح خلّاقين أكثر. إن مايساهم في أيامنا هذه على تقليل قدرتنا على الانتباه والتركيز هو كثرة استعمالنا للأجهزة الالكترونية وإطالة النظر إلى الشاشات وخصوصاً شاشات هواتفنا.

 

تم إجراء العديد من الأبحاث والتجارب العلمية لدراسة أثر ذلك على قدرتنا على الانتباه والتركيز، وقد توصلت هذه الأبحاث إلى نتائج مثيرة وهي أننا عندما نعمل من خلال الأجهزة الالكترونية كالكمبيوتر والهاتف، فإن زمن تركيزنا على مانعمل عليه بالمتوسط هو 40 ثانية فقط ويقلّ هذا الرقم عندما يكون هناك تطبيقات تواصل مفتوحة على تلك الأجهزة. السبب في ذلك لايعود لفكرة أن أدمغتنا تتشتت بل إن ذلك هو أحد الأعراض وليس المشكلة ذاتها. إن أصل مشكلة قلة التركيز يعود إلى أنه يتم تحفيز أدمغتنا بشكل مبالغ فيه من خلال كل تلك الأجهزة والتطبيقات. والمثير في الأمر أن أدمغتنا تسعى وتحب ذلك فهي تحب هذه المقاطعات وتطلب المزيد حباً بمعرفة كل جديد لدرجة أنها تفرز أيضاً هرمون السعادة والنشوة، الدوبامين، كلما قاطعنا عملنا ونظرنا إلى ماهو الجديد الذي يمكن أن يكون وصلنا عبر أحد التطبيقات. أي أن هذا الهرمون يتم إفرازه عندما نفتح الفيسبوك على سبيل المثال، فأدمغتنا لاتقوم بحثّنا على ذلك وحسب، بل وتكافئنا أيضاً.

 

 لذلك فإن الحل يكمن في تقليل كمية التحفيز التي تتلقاها أدمغتنا. يكمن التحدي هنا أنه وفي حالة الانتقال من حالة تحفيز عالية إلى حالة منخفضة ربما ستشعر بقليل  من الملل في البداية. وطبقاً للأبحاث التي أجريت في هذا المجال فإن الدماغ يحتاج إلى 8 ايام في المتوسط كي يهدأ وتقل نسبة التحفيز داخله. فإذا قمت بتقليل الوقت الذي تقضيه على هاتفك إلى ساعة أو نصف ساعة فقط في اليوم فستحتاج لثمانية أيام كي ترى أثر ذلك والذي يتمثل في قدرتك على التركيز بشكل أكبر وزيادة وقته والوصول إلى عدد أكبر من الأفكار ومعالجة المعلومات بطريقة افضل. ومايحدث هنا أن المقاطِعات من حولنا لم تقلّ، بل رغبة الدماغ بالبحث عنها والسعي إليها هي التي تقل.  وسوف يقود ذلك أدمغتنا للعمل ضمن نطاقات مختلفة وتوصيل أفكارنا بشكل أفضل.

 

عندما يقل مستوى تحفيز أدمغتنا فإنه سيلجأ للتفكير في الماضي والحاضر والمستقبل وتبعاً للتجارب التي أُجريت فإن أدمغتنا تفكر في الماضي بنسبة 12% وفي الحاضر بنسبة 28% ولكنها تفكر بالمستقبل بنسبة 48% أي أكثر من الماضي والحاضر مجتمعين فيمكن للواحد منا تخطيط يومه والتفكير بتفاصيله ضمن جلسة صفاء بدون أجهزة أو ربما أثناء الحمام الصباحي حيث لايوجد محفزات خارجية، فيبدأ الدماغ بالتفكير وربط الأفكار مع بعضها.  وهذا يمكن أن يفسر قدرة البعض على الإنجاز والتحدث بأفكار جديدة لأنهم استطاعوا زيادة الانضباط الذاتي والسيطرة على المُحفِّزات المحيطة بهم. إذا كنت تتساءل عزيزي القارئ أن النسب المذكورة أعلاه لاتشكل ال100% بشكل كامل فإن ذلك يعود إلى أن الدماغ يفكر في أمور غير مرتبطة بالزمن أو أنه لايفكر على الإطلاق بشيء يمكن قياسه.

 

وكمثال عملي نعرفه كلّنا، فعندما تذهب للمشي أو التسوق وهاتفك معك وموصول على الانترنت فستغالبك دائماً تلك الرغبة بفتح الهاتف ورؤية ما إذا جاءك من جديد ولو كان صورة دون معنى من تلك المتداولة بكثرة في تطبيقات التواصل. أما إذا قررت أن تذهب بدون هاتفك فإنك ستكون على موعد مع تجربة جديدة كلياً ربما ستصل لدرجة الإحساس أنك تزور هذا المكان أو تمشي في تلك الحديقة للمرة الأولى هذا عدا عن كمية الأفكار الجديدة والخلّاقة التي ستفكر بها والطاقة الجميلة التي ستعود بها إلى المنزل.

مقالات أخرى يمكن أن تهمك

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More

%d مدونون معجبون بهذه: