Posted on Leave a comment

 التعَلُّم الذاتي- مهارة العصر

يقول مالكوم اكس إن” التعليم جوازُ سفرٍ للمستقبل وأن الغَد سيكون مُلكاً لأولئك الذين يجهزون له اليوم”.

 

في عالمٍ يتميز بالتغيير الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي السريع، فإن فرص النجاح والتميز تكون أكبر لأولئك الذين يحافظون على التعلم الذاتي ولايتوقفون عنه أبداً، والحقيقة أنه وبغض النظر عن التغيير وسرعته يبقى التعلُّم والتعليم السلاح الأمضى في مواجهة جميع التغيرات.

 

منذ سن مبكرة، نبدأ في التعلم في سياق المؤسسات التعليمية والمنظمات، والتي قد تبدأ في رياض الأطفال ومن ثم تستمر من خلال المدرسة الابتدائية والثانوية إلى الجامعة. وبعد الخروج من التعليم الرسمي، يعتمد الكثير منا على فرص التدريب والتطوير التي يوفرها أصحاب العمل، غير أنّه مع التركيز الكبير على التعلّم داخل المؤسسات والمنظمات، يتم إهمال أحد أهم أنواع التعلم وهو التعلم غير الرسمي الموجه ذاتياً، حيث أنّ العالم الذي ندخله يتطلب متعلمين مدى الحياة يمكنهم اكتساب معارف ومهارات جديدة بشكل مستقل. وعلاوة على ذلك، فقد أصبحت الرؤية المستقبليّة لعالم مليء بالذكاء الاصطناعي والأتمتة حقيقة واقعة، فيمكننا أن نتوقع أن تصبح أسواق التوظيف أكثر ديناميكية وتنافسية، مع العلم أنّ المستقبل الذي نتجه نحوه هو متغيّر بشكل دائم وسيكون فيه التعلّم حاسماً للبقاء على صلة وتنافسية. يقول يوفال نوح هراري “لمواكبة عالم 2050، ستحتاج إلى القيام بأكثر من مجرد ابتكار أفكار ومنتجات جديدة، عليك قبل كل شيء أن تعيد اخترع نفسك مرارًا وتكرارًا”.

 

نظراً للاضطراب الاقتصادي والتغير الاجتماعي السريع، لا يمكن للتعليم الرسمي أن يُزوّد الناس بكل المعارف والمهارات التي يحتاجونها طوال حياتهم بل إنه يمكننا القول أنه لايزودهم بما يحتاجونه حقيقة في الحياة العملية وخاصة وأنه في بلادنا فإن المناهج والاختصاصات تُدّرس لعشرات السنين ونادراً ماتخضع للتحديث أو لإنشاء اختصاصات جديدة تحاكي التطور الحاصل في العالم وفي سوق العمل. وهذا مايساهم في ازدياد نسب البطالة بين حملة الشهادات الجامعية والتي وصلت إلى 40% في الوطن العربي تبعاً لتقرير صادر عن جامعة الدول العربية.

 

هناك علاقة طردية بين مستوى الدخل ومستويات التعليم لذلك يكتسب التعليم الذاتي هنا أهمية كبيرة لأنه يقوم بتعويض نقص المهارات والمعلومات في الأنظمة التعليمية التقليدية لذلك يمتلك الفرد دائماً فرصة لزيادة فرصه وبالتالي دخله من خلال التعليم الذاتي الموجه. فالتعليم الرسمي غالباً مايُنتقَد لفشله في تنمية الفضول والإبداع ومجموعة من مهارات القرن الحادي والعشرين المطلوبة في عصر المعلومات في مرحلة ما بعد الصناعة، ولكن من المؤسف أن الحوافز الدافعة إلى التغيير منخفضة في نظام موحد يركز على نقل المعلومات ويركز على الإنجاز الذي يُقاس بالأداء على الاختبارات المعيارية، وهذا لا يعني الانتقاص من جهود المعلمين المخلصين في محاولة نقل المعرفة لطلابهم، ولكن في ظل الأطر الراهنة لأنظمة التعليم، يحتاج الشخص لبذل الجهد على الصعيد الشخصي لتحديد المهارات التي يحتاجها ومن ثم تعلمها.

 

يمكن أن يكون التعلّم مدى الحياة تحدياً  بسبب زيادة مسؤولية المُتعلم عن اكتشاف فرص التعلّم وملاحقتها بشكل مستقل خارج التعليم الرسمي، لذا يتطلب التعلم مدى الحياة من الأفراد أن يكونوا متعلمين نشطين لديهم المهارات اللازمة للتعلم بطريقة ذاتية التحفيز وتوجيهها بشكل مستمر.

 

ومع توسع انتشار المحتوى التعليمي على الانترنت وتوفره بشكل مجاني على مختلف المنصات، أصبحت المهمة أسهل من حيث الوصول للمعلومة، فلقد وفر الإنترنت ثروة من مصادر التعلم  للمتعلمين الموجّهين ذاتياً، حيث يقوم الخبراء والروّاد من كل المجالات تقريباً بنشر أفكارهم ونتاجهم في صحف ومدونات ومواقع متاحة للجميع ومشاركة ما يكتشفونه في نشرات المحادثات والبث الصوتي (Podcasts)، والفيديوهات بالإضافة إلى الدورات المتاحة على منصات التعلم الالكتروني. ويبقى التحدي هو كيفية اختيار المحتوى الأفضل وتحديده بما يتوافق مع احتياجات وأهداف كل شخص.

 

بغض النظر عن جنسك وعمرك ومكان عملك ومكان إقامتك، فإن التعلم الذاتي يرتقي لدرجة واجب شخصي يومي لكل من يريد أن يحجز لنفسه مكاناً متميزاً في المجتمع وفي العمل ولكي يُبقي أبواب الفرص مفتوحة أمامه فالفرصة تحتاج الشخص الجاهز لها والتعليم الذاتي يزيد من جهوزيتك وبالتالي من فرصك في عالمنا المتغير. “عندما تتوقف عن التعلُّم، تبدأ بالموتألبرت أينشتاين.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.